الخيال المتوحش في رواية «أحمر خفيف» لوحيد الطويلة
فتحي عبد الله
إن تنوع السرد في هذه اللحظة الراهنة في مصر يعكس حدة الصراع وشموله بين فئات وشرائح المجتمع، ويعكس كذلك درجات الوعي لدي الساردين ومدي انحيازهم سواء كان هذا الانحياز للحقيقة الاجتماعية ممثلة في أنماط المعيشة والعلاقات الحاكمة لسلوك الجماعة سواء بين الأفراد أو الطبقات أو بين المجتمع كله والإدارة السياسية।أما إذا كان الانحياز للأنماط الوهمية والمتخيلة أو المرجو تحقيقها في المجتمع لتبرير الأداءات السياسية المتوحشة في الداخل أو للتوافق مع أنماط الرأسمالية العالمية في طورها الأخير كي تسهل للشركات العابرة للقومية دورها في خلق منظومة قيم جديدة تتناقض مع أنماط الانتاج القديمة، بكل ما تحمل من موروثات روحية ومعرفية।وهذان النمطان من السرد يسيطران علي الكتابة الروائية لأسباب كثيرة، منها أن الرواية كجنس ونمط أداء قد أصبحت بفعل المتغيرات الاجتماعية التي حدثت في العالم أهم أجناس الكتابة وأكثرها فاعلية بما تملك من غواية أولاً، وثانياً لقدرتها في السيطرة علي قطاعات كبيرة من جميع الطبقات فهي فن استحواذي بامتياز وسريع الاستهلاك ومن هنا سعت كل القوي الاجتماعية بوعي أو بدون وعي لاستخدامها في الصراع القائم بما يتناسب مع منظومتها الروحية والمعرفية لتحقيق الوجود والسيطرة.ومن أهم تمثيلات النمط الأول في مصر رواية «أحمر خفيف» للروائي «وحيد الطويلة» إذ إن المكان لا يمكن أن تقطع بواقعيته ولا يمكن أن يكون متخيلاً كاملاً فهو أقرب إلي المجتمعات البدائية ذات السلوك الانفعالي والذي تحركه الغرائز الأساسية، ومع ذلك يخضع لآليات الصراع التي تسيطر علي الجماعات الحديثة، فهو واد علي شكل مثلث أنشأه الخواجه الفرنسي الذي تخلف عن الحملة.كما أن الزمن المختار للسرد يمثل ذروة اللحظات الحرجة في سلوك الجماعة البشرية، وهي لحظة الانتقال من الحياة إلي الموت، وهي لحظة كاشفة لسلوك وانفعالات الجماعة دون اقنعة أو تبريرات، وهي تدفع الشخوص جميعهم إلي الفعل المناسب أو العضوي، ومن هنا تكون جميع الشخصيات أكثر اقتراباً من حقيقتها الروائية ويبدو سلوكها وكأنه فطري ومرتبط بالروح الكبري التي تسيطر علي جميع الكائنات.ولأن هذه الجماعة تعيش في واد أسطوري فإن قوي الطبيعة مازالت فاعلة ومشاركة في الحراك الاجتماعي مثل حركة الريح وارتباطها بالموت وانفعال الحيوان والنبات بالأحداث ومازالت علاقات القرابة هي الأساس في الانفعال والسلوك، وهي المحور المحرك للصراع، خاصة في السيطرة علي الجماعة، ومازالت كل تيمات المجتمع البدائي هي الحاكمة مثل القوة والشرف والعدالة والشجاعة وإن بدرجات متفاوتة من شخصية إلي أخري فالبطل «محروس» تبدو فيه هذه الصفات متجانسة ومتكاملة بما يتناسب مع سلوك الجماعة ودرجة تحضرها فهو شجاع دون إسراف أو ظلم وهو عادل وكريم مع كل الجماعة دون النظر إلي درجة القرابة ويعلي من قيمة الشرف أيا كانت الخسائر حتي لو كانت مشاعره الخاصة، أما بقية الشخوص فتبدو مستغرقة في حالة واحادة دون تناسب اجتماعي مما يجعلها نمطاً مخالفاً، فـ «ناصر» مفرط في استخدام القوة والشجاعة، مما حقق له نوعاً من السيطرة والحضور الطاغي إلا أن الجماعة لم تقبلة فكان مصيره الهلاك والفناء.وكذلك «نشأت» صاحب الروح الصافية والخالصة، الضعيف، العاشق، ابن المرأة العاشقة، الذي مارس أعمالاً هامشية، لم يمتلك القوة والشجاعة لمواجهة المجتمع أو أمه. ولم يكن أمامه إلا الهروب، والانسحاب من الصراع وإن ظل روحاً تعاود الرجوع والمشاركة في الأحداث.أما «غزلان- أم نشأت- وعزت، فقد أخلصا لرغبات الجسد دون النظر إلي أي قيم تحكم الجماعة فكانا تمثيلاً للنزعات المادية الخالصة ولذلك فإن أدوارهما في الصراع كانت هامشية وغير مؤثرة وإن اظهرت تكامل الجماعة واختلاف أفرادها مما يحقق نسبية الوجود الاجتماعي.أما «أبو الليل» أخو محروس المريض بالجزام واللص، فقد انفصل عن الجماعة ولم يمارس العمل طوال حياته، والعلاقة الحاكمة مميته وبين المجتمع هي التنافر، والنفس، والكراهية، ولهذا فهو ينتقم مم يعافونه ويقض مضاجعهم، وهو لا يريد شيئاً لنفسه، فقد ترك كل شيء لأخوته، ولا أحد يعرف أين هو، ولا أين ينام، فهو يمث المنبوذين اجتماعياً في الجماعة، وهو دائم السخرية والتهكم مما يحدث ولذا فهو لا يشارك في الصراع، ولا أمل له، فهو لم يختبر مشاعره أو انفعالاته وإن ظل وفياً للأرواح العالية أو للمنبوذين أمثاله سواء كان هذا النبذ بسبب معرض كالجزام، أو لحالة عرقية مثل «فرج» ابن العبد- أو لضعف ووضاعة الأصول الاجتماعية مثل «عزيزة العمشة» إن هذا المجتمع الهجين الذي يمزج بين ما هو بدائي وبين ما هو حديث لا يمكن أن تخف حدة الصراع به ولا أن تنتقل السلطة فيه بشكل بسيط، لابد من طقوس وأولها العنف أي القتل والتدمير وهذا ما حدث للبطل رمز السلطة «محروس»، ثم استخدام «الوصية» كأحد أشكال الأداء الروحي في نقل الرسالة الأيديولوجية مثلما حدث في الفصل (3) «السرليك ياعناني» فهناك روح رسولية حيث الرحلة والهبوط والصعود ومصاعب الطريق والتقلب بين الرجاء والخوف والتماثل بين البشر- ثم ظهور النور وتحميل الأمانة «العهد ياسيدنا». ولكي تكتمل الأسطورة يبدو الوادي وكأنه مسحور كما يحدث في الحكايات الشعبية أو متشابه مع الحديقة التي وصفها القرآن في سورة «الكهف» منذ صره «جيلنتي» الفرنساوي بالكافور والجازوارين ودق أشجار الليمون والجوافة والريحان في جوفة وجعله واطئا ليسحب المياه، فتبدو زراعته ملعلعة وسط المنطقة.ولهذا جاءت اللغة عنيفة وقوية وخالية من المصاحبات الأدائية الموروثة وإن اقتربت من لغة الشعر أي الوصول إلي جوهرالفعل الانساني لا استخدام المجازات، وإن حدث ذلك فاللغة في الرواية لها مستويات متعددة ومتداخلة وتخضع جميعها لرؤية الروائي ودورها في تنامي السرد، فهي روحية وخفيفة عندما تتعلق الحكاية بـ «نشأت وفرج» وحسية ولذائذية وقريبة من الاستخدام اليومي إذا جاء السرد بـ «عزت وغزلان»، إشارية وحادة وقاطعة وتعتمد علي إيماءات الجماعة إذا كان البطل «محروس» هو الفاعل.واعتمد الروائي «وحيد الطويلة» في بناء هذه الرواية علي وحدة «الحكاية» وتوالدها وهي إحدي سمات السرد الشعبي أو الخيال الجمعي كما تحقق في «ألف ليلة وليلة».فكل حكاية مكتملة في ذاتها وتؤدي إلي الحكاية التي تليها ويجمع كل هذه الحكايات إطار عام، أي رؤية الروائي التي توجه السرد خاصة في انتاج المعني والدلالة. وكل حكاية ترتبط بأحداث خاصة وتدور حول إحدي الشخصيات الروائية، ومن هنا فقد تحولت جميع الشخصيات إلي أبطال في الكتابة وإن ظلت حكاية «محروس» وبطولته هي الخيط الرفيع الذي يربط هذه الحكايات ببعضها.وهذه التقنية تحتاج أول ما تحتاج إلي الخيال الفطري، النفسي، والمتوحش في الوقت نفسه، وتحتاج إلي خبرة إنسانية رفيعة ودقيقة في التعرف علي الشخوص ودوافعها الباطنية مهما كان سطحها الخارجي، وتحتاج كذلك إلي وعي اجتماعي حاد يدرك تطور مصائر الجماعة بكل تناقضاتها وتنوعها الإنساني. وللوصول إلي كل هذا لابد من استخدام لغة عضوية تعتمد بدرجة أو بأخري علي طقوسية الأداء وعنفه لتحقيق الوجودات المتنوعة في شكل احتفالي كرنفالي، لا ينفي أحداً ولا يدمر المعني، وإنما يرسخه عبر أكثر من قناة أو طريقة، وهذه الحالة التركيبية في انتاج الدلالة النهائية للعمل، تعكس روح الروائي المتجاوزة لفعل الكتابة نفسه وكأنها الحياة، وكل هذه الرؤية لا يحققها إلا الخيال، والخيال فقط.إن هذا النمط من الكتابة يعيد الاعتبار للرواية كجنس أدبي في مصر والعالم العربي، إذ أصبحت أكثر مجانية ومشاعية وصارت مجرد أداة لأداء أدوار أيديولوجية متنوعة دون كتابة حقيقية ولا رؤية متكاملة وإنما صارت نوعاً من التدريب علي الخروجات الدينية والسياسية التي تخدم جماعة بعينها .
فتحي عبد الله
إن تنوع السرد في هذه اللحظة الراهنة في مصر يعكس حدة الصراع وشموله بين فئات وشرائح المجتمع، ويعكس كذلك درجات الوعي لدي الساردين ومدي انحيازهم سواء كان هذا الانحياز للحقيقة الاجتماعية ممثلة في أنماط المعيشة والعلاقات الحاكمة لسلوك الجماعة سواء بين الأفراد أو الطبقات أو بين المجتمع كله والإدارة السياسية।أما إذا كان الانحياز للأنماط الوهمية والمتخيلة أو المرجو تحقيقها في المجتمع لتبرير الأداءات السياسية المتوحشة في الداخل أو للتوافق مع أنماط الرأسمالية العالمية في طورها الأخير كي تسهل للشركات العابرة للقومية دورها في خلق منظومة قيم جديدة تتناقض مع أنماط الانتاج القديمة، بكل ما تحمل من موروثات روحية ومعرفية।وهذان النمطان من السرد يسيطران علي الكتابة الروائية لأسباب كثيرة، منها أن الرواية كجنس ونمط أداء قد أصبحت بفعل المتغيرات الاجتماعية التي حدثت في العالم أهم أجناس الكتابة وأكثرها فاعلية بما تملك من غواية أولاً، وثانياً لقدرتها في السيطرة علي قطاعات كبيرة من جميع الطبقات فهي فن استحواذي بامتياز وسريع الاستهلاك ومن هنا سعت كل القوي الاجتماعية بوعي أو بدون وعي لاستخدامها في الصراع القائم بما يتناسب مع منظومتها الروحية والمعرفية لتحقيق الوجود والسيطرة.ومن أهم تمثيلات النمط الأول في مصر رواية «أحمر خفيف» للروائي «وحيد الطويلة» إذ إن المكان لا يمكن أن تقطع بواقعيته ولا يمكن أن يكون متخيلاً كاملاً فهو أقرب إلي المجتمعات البدائية ذات السلوك الانفعالي والذي تحركه الغرائز الأساسية، ومع ذلك يخضع لآليات الصراع التي تسيطر علي الجماعات الحديثة، فهو واد علي شكل مثلث أنشأه الخواجه الفرنسي الذي تخلف عن الحملة.كما أن الزمن المختار للسرد يمثل ذروة اللحظات الحرجة في سلوك الجماعة البشرية، وهي لحظة الانتقال من الحياة إلي الموت، وهي لحظة كاشفة لسلوك وانفعالات الجماعة دون اقنعة أو تبريرات، وهي تدفع الشخوص جميعهم إلي الفعل المناسب أو العضوي، ومن هنا تكون جميع الشخصيات أكثر اقتراباً من حقيقتها الروائية ويبدو سلوكها وكأنه فطري ومرتبط بالروح الكبري التي تسيطر علي جميع الكائنات.ولأن هذه الجماعة تعيش في واد أسطوري فإن قوي الطبيعة مازالت فاعلة ومشاركة في الحراك الاجتماعي مثل حركة الريح وارتباطها بالموت وانفعال الحيوان والنبات بالأحداث ومازالت علاقات القرابة هي الأساس في الانفعال والسلوك، وهي المحور المحرك للصراع، خاصة في السيطرة علي الجماعة، ومازالت كل تيمات المجتمع البدائي هي الحاكمة مثل القوة والشرف والعدالة والشجاعة وإن بدرجات متفاوتة من شخصية إلي أخري فالبطل «محروس» تبدو فيه هذه الصفات متجانسة ومتكاملة بما يتناسب مع سلوك الجماعة ودرجة تحضرها فهو شجاع دون إسراف أو ظلم وهو عادل وكريم مع كل الجماعة دون النظر إلي درجة القرابة ويعلي من قيمة الشرف أيا كانت الخسائر حتي لو كانت مشاعره الخاصة، أما بقية الشخوص فتبدو مستغرقة في حالة واحادة دون تناسب اجتماعي مما يجعلها نمطاً مخالفاً، فـ «ناصر» مفرط في استخدام القوة والشجاعة، مما حقق له نوعاً من السيطرة والحضور الطاغي إلا أن الجماعة لم تقبلة فكان مصيره الهلاك والفناء.وكذلك «نشأت» صاحب الروح الصافية والخالصة، الضعيف، العاشق، ابن المرأة العاشقة، الذي مارس أعمالاً هامشية، لم يمتلك القوة والشجاعة لمواجهة المجتمع أو أمه. ولم يكن أمامه إلا الهروب، والانسحاب من الصراع وإن ظل روحاً تعاود الرجوع والمشاركة في الأحداث.أما «غزلان- أم نشأت- وعزت، فقد أخلصا لرغبات الجسد دون النظر إلي أي قيم تحكم الجماعة فكانا تمثيلاً للنزعات المادية الخالصة ولذلك فإن أدوارهما في الصراع كانت هامشية وغير مؤثرة وإن اظهرت تكامل الجماعة واختلاف أفرادها مما يحقق نسبية الوجود الاجتماعي.أما «أبو الليل» أخو محروس المريض بالجزام واللص، فقد انفصل عن الجماعة ولم يمارس العمل طوال حياته، والعلاقة الحاكمة مميته وبين المجتمع هي التنافر، والنفس، والكراهية، ولهذا فهو ينتقم مم يعافونه ويقض مضاجعهم، وهو لا يريد شيئاً لنفسه، فقد ترك كل شيء لأخوته، ولا أحد يعرف أين هو، ولا أين ينام، فهو يمث المنبوذين اجتماعياً في الجماعة، وهو دائم السخرية والتهكم مما يحدث ولذا فهو لا يشارك في الصراع، ولا أمل له، فهو لم يختبر مشاعره أو انفعالاته وإن ظل وفياً للأرواح العالية أو للمنبوذين أمثاله سواء كان هذا النبذ بسبب معرض كالجزام، أو لحالة عرقية مثل «فرج» ابن العبد- أو لضعف ووضاعة الأصول الاجتماعية مثل «عزيزة العمشة» إن هذا المجتمع الهجين الذي يمزج بين ما هو بدائي وبين ما هو حديث لا يمكن أن تخف حدة الصراع به ولا أن تنتقل السلطة فيه بشكل بسيط، لابد من طقوس وأولها العنف أي القتل والتدمير وهذا ما حدث للبطل رمز السلطة «محروس»، ثم استخدام «الوصية» كأحد أشكال الأداء الروحي في نقل الرسالة الأيديولوجية مثلما حدث في الفصل (3) «السرليك ياعناني» فهناك روح رسولية حيث الرحلة والهبوط والصعود ومصاعب الطريق والتقلب بين الرجاء والخوف والتماثل بين البشر- ثم ظهور النور وتحميل الأمانة «العهد ياسيدنا». ولكي تكتمل الأسطورة يبدو الوادي وكأنه مسحور كما يحدث في الحكايات الشعبية أو متشابه مع الحديقة التي وصفها القرآن في سورة «الكهف» منذ صره «جيلنتي» الفرنساوي بالكافور والجازوارين ودق أشجار الليمون والجوافة والريحان في جوفة وجعله واطئا ليسحب المياه، فتبدو زراعته ملعلعة وسط المنطقة.ولهذا جاءت اللغة عنيفة وقوية وخالية من المصاحبات الأدائية الموروثة وإن اقتربت من لغة الشعر أي الوصول إلي جوهرالفعل الانساني لا استخدام المجازات، وإن حدث ذلك فاللغة في الرواية لها مستويات متعددة ومتداخلة وتخضع جميعها لرؤية الروائي ودورها في تنامي السرد، فهي روحية وخفيفة عندما تتعلق الحكاية بـ «نشأت وفرج» وحسية ولذائذية وقريبة من الاستخدام اليومي إذا جاء السرد بـ «عزت وغزلان»، إشارية وحادة وقاطعة وتعتمد علي إيماءات الجماعة إذا كان البطل «محروس» هو الفاعل.واعتمد الروائي «وحيد الطويلة» في بناء هذه الرواية علي وحدة «الحكاية» وتوالدها وهي إحدي سمات السرد الشعبي أو الخيال الجمعي كما تحقق في «ألف ليلة وليلة».فكل حكاية مكتملة في ذاتها وتؤدي إلي الحكاية التي تليها ويجمع كل هذه الحكايات إطار عام، أي رؤية الروائي التي توجه السرد خاصة في انتاج المعني والدلالة. وكل حكاية ترتبط بأحداث خاصة وتدور حول إحدي الشخصيات الروائية، ومن هنا فقد تحولت جميع الشخصيات إلي أبطال في الكتابة وإن ظلت حكاية «محروس» وبطولته هي الخيط الرفيع الذي يربط هذه الحكايات ببعضها.وهذه التقنية تحتاج أول ما تحتاج إلي الخيال الفطري، النفسي، والمتوحش في الوقت نفسه، وتحتاج إلي خبرة إنسانية رفيعة ودقيقة في التعرف علي الشخوص ودوافعها الباطنية مهما كان سطحها الخارجي، وتحتاج كذلك إلي وعي اجتماعي حاد يدرك تطور مصائر الجماعة بكل تناقضاتها وتنوعها الإنساني. وللوصول إلي كل هذا لابد من استخدام لغة عضوية تعتمد بدرجة أو بأخري علي طقوسية الأداء وعنفه لتحقيق الوجودات المتنوعة في شكل احتفالي كرنفالي، لا ينفي أحداً ولا يدمر المعني، وإنما يرسخه عبر أكثر من قناة أو طريقة، وهذه الحالة التركيبية في انتاج الدلالة النهائية للعمل، تعكس روح الروائي المتجاوزة لفعل الكتابة نفسه وكأنها الحياة، وكل هذه الرؤية لا يحققها إلا الخيال، والخيال فقط.إن هذا النمط من الكتابة يعيد الاعتبار للرواية كجنس أدبي في مصر والعالم العربي، إذ أصبحت أكثر مجانية ومشاعية وصارت مجرد أداة لأداء أدوار أيديولوجية متنوعة دون كتابة حقيقية ولا رؤية متكاملة وإنما صارت نوعاً من التدريب علي الخروجات الدينية والسياسية التي تخدم جماعة بعينها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق