قصيدة مجهولة للكاتب صبري موسي
شعبان يوسف
لا يختلف أحد علي قيمة الكاتب والصحفي الكبير صبري موسي، صاحب الرواية الأبدع والأشهر في إنتاجه المهم «فساد الأمكنة» هذه الرواية التي كتبت له شهرة أوسع بين أبناء جيله، وأفسحت له مقعداً كبيراً بين كتاب الرواية المصريين والعرب، لما تتسم به من أبعاد إنسانية جمة، ربما ندر أن أحداً كتب مثلها، وكانت هذه الرواية هي نتاج إحدي سنوات التفرغ، وثمرة طيبة وناضجة لهذا التفرغ، الذي أصبح مطية لكل من هب ودب، ولكن صبري موسي استثمره ليبدع هذه الرواية العظيمة॥ بالإضافة إلي روايات -بالطبع- مهمة ورفيعة المقام مثل: السيد في حقل السبانخ، وحادث النصف متر، ومجموعاته القصصية القميص، وجها لظهر، وحكايات صبري موسي، وغير ذلك من أدب رحلات، وكتابات صحفية عديدة।ربما تكون هذه جوانب معروفة من وجوه الكاتب، لكن صبري موسي الذي بدأ النشر في الخمسينيات بكتابة القصة، وعرفه قراء مجلة «الرسالة الجديدة» التي كان يرأس تحريرها يوسف السباعي، وعرفه أيضاً قراء مجلة التحرير التي رأس تحريرها لفترة ثروت عكاشة، وفي غمرة هذه الكتابات الإبداعية، عثرنا علي قصيدة نثرية، منشورة في مجلة «الرسالة الجديدة» العدد الثامن عشر سبتمبر 1955، تحت عنوان «انتظار»، وهذه كانت مفاجأة سارة لنا، رغم أن القصيدة تتسم بروح سردية، عالية، لكنها تميل نحو الشعر، وأظنها من ثمار رحلة بحث الكاتب عن الشكل الأدبي المناسب، ووقعها بالاسم الذي كان يكتب به آنذاك «صبري محمد موسي"
لا يختلف أحد علي قيمة الكاتب والصحفي الكبير صبري موسي، صاحب الرواية الأبدع والأشهر في إنتاجه المهم «فساد الأمكنة» هذه الرواية التي كتبت له شهرة أوسع بين أبناء جيله، وأفسحت له مقعداً كبيراً بين كتاب الرواية المصريين والعرب، لما تتسم به من أبعاد إنسانية جمة، ربما ندر أن أحداً كتب مثلها، وكانت هذه الرواية هي نتاج إحدي سنوات التفرغ، وثمرة طيبة وناضجة لهذا التفرغ، الذي أصبح مطية لكل من هب ودب، ولكن صبري موسي استثمره ليبدع هذه الرواية العظيمة॥ بالإضافة إلي روايات -بالطبع- مهمة ورفيعة المقام مثل: السيد في حقل السبانخ، وحادث النصف متر، ومجموعاته القصصية القميص، وجها لظهر، وحكايات صبري موسي، وغير ذلك من أدب رحلات، وكتابات صحفية عديدة।ربما تكون هذه جوانب معروفة من وجوه الكاتب، لكن صبري موسي الذي بدأ النشر في الخمسينيات بكتابة القصة، وعرفه قراء مجلة «الرسالة الجديدة» التي كان يرأس تحريرها يوسف السباعي، وعرفه أيضاً قراء مجلة التحرير التي رأس تحريرها لفترة ثروت عكاشة، وفي غمرة هذه الكتابات الإبداعية، عثرنا علي قصيدة نثرية، منشورة في مجلة «الرسالة الجديدة» العدد الثامن عشر سبتمبر 1955، تحت عنوان «انتظار»، وهذه كانت مفاجأة سارة لنا، رغم أن القصيدة تتسم بروح سردية، عالية، لكنها تميل نحو الشعر، وأظنها من ثمار رحلة بحث الكاتب عن الشكل الأدبي المناسب، ووقعها بالاسم الذي كان يكتب به آنذاك «صبري محمد موسي"
عند المصباح المنور في خفوتفي أسفل الطريق المنحدر إلي محطة القطارببلدتنا الساحلية الوادعة..كنت أنتظرك.. كل أمسية..وحين كنت لا تأتين في موعدكوكان يعلو صفير القاطرة وهي تدرج علي القضبانوأبخرتها الرمادية تتصاعد في كثافة وتملأ السماءورذاذها يتساقط في قطرات تصفع وجهي..كنت أحس أنني موضع سخرية من كل الأشياء!وفي الأمسيات الباردة الممطرة..والغيوم تحلق فوق رأسيوالضباب يملأ الشارع الضيق المنحدروالمصباح يختنق نورهكنت أنتظرك أيضاً..وكنت أثق تماماً من أنك لابد ستأتين..وكان المطر يبلل كل ملابسي..وكان القطار الأخير يغادر البلدة..وتصفعني أبخرته المتناثرة..وتهمس أوراق الشجر حولي في حفيف..والموج الصغير يزحف إلي الشاطئ في ملل..ويعود الحمالون والعمال بعد الانتهاء من العمل..من نفس الطريق..وينظرون إلي..والأمل في لقاء بيوتهم..يشيع في وجوههم سعادة حارة..وأكون أنا وحدي.. واقفاً بلا حراك..ويتساءلون:هذا الغريب المبلل.. ماذا تراه ينتظر؟..أشعر ساعتها بأن الدنيا كلها تفارقني..وأني جد غريب..وأن بقلبي وحشة فتاكة عاتية..شعور طفل في الليل..ضل الطريق إلي منزله..!ويخبو الأمل رويدا في مقلتي..ويكاد يموت..ثم فجأة..أراك قادمة تتعثرين في حفر الطريقمن بعيد..وتعبرين الجسر..وحقيبة كتبك لصق صدرك..؟تختلسين من وقت صديقتك..التي تستذكرين معها..لحظات لقائنا..!لشد ما كنت أحبك حينذاك..ثم..أوصلك إلي منزلك..يدي في يدكوقلبي جوار قلبكوعيون العمال العائدين في أول الليلترمقنا في كلال.. طوال الطريق..ولا يكف الشجر عن الهمس..وحفيف الموج الصغير يدرج علي الشاطئ..ونحن نعود..وفي الأمسيات الحارةكان يطول بنا السهر..كنا نمشي علي الطريق المنحدر إلي آخره..ونركب قارباً يعود بنا ما مشيناه..وأسماك بحرنا الشهيةتقفز حول قاربنا..تختلس النظر حين تلتقي منا الشفاه..والنوتي الصغير يقود القارب في هدوء..وكل شيء يوحي بسكينة القلب..أيام..كانت عذبة..جميلة..وكنا سعداء..وكنت أحبك أعمق الحب..لكن..تغير الزمن اليوم..يا حبيبتي.. يا زوجتي..!فلم أعد انتظرك..وأصبحت أنت طوال الأمسيات..الحارة.. والباردة..تقفين في نافذتك المنورةوذراعاك علي حافتها..ووجهك الدقيق العذب علي كفيك..تنتظرينني حتي أعود..!ولست أدري.. لم لا أعود مبكراً؟..إلي بيتنا الصغير الدافئ...؟إنه شعور سخيف يدفعني للتأخر!..لثقتي في أنك عندي....أجدك في البيت دواما...وقتما أعود...يا حبيبتي الصغيرة..أنا أشعر أنك تتعذبين بانتظاري..كما كنت أتعذب في أمسيات حبنا الأولي...لكني لا أريد عذابك...سأنتظرك دائماً...في ميعاد لقائنا الأول..عند المصباح المنور في خفوتفي أسفل الطريق المنحدر إلي محطة القطارتعالي إلي هناك...كل أمسيةلنعود معاً...إلي البيت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق