مقاربة نقدية جمالية في قصة " وكأن الله أراد ذلك " للكاتبة هويدا صالح
سهيلة بورزق كاتبة جزائرية مقيمة بواشنطن
بدءا لست بالناقدة( الحشرية) التي ينالها تقاطع التفتيش والتنقيب والتحليل عن أدق التفاصيل في النصوص الأدبية وخاصة تلك التي توقعها أو يوقعها كاتب(ة) له من التراكمات الثقافية ما يلغي حدود الخيط الرفيع الذي يفصل النقد عن الإبداع .ومحاولتي الاستقرائية لفضاء قصة ” وكأن الله أراد ذلك ” للكاتبة الجميلة ” هويدا صالح ” ليس من باب التفصيل الأكاديمي لسلطة السرد بقدر ما هي معالجة جمالية في الشكل العام للحكي بين جمالية الإتقان التسلسلي للقصة والمتعة السردية التي عاشها القارئ عبر الخيال والتقاطع النصي .تكتب ” هويدا صالح ” مدخل القصة كالآتي :” ربما فاجأتها يده تماما حينما تلمس حلمات صدرها … ربما ارتعشت كمراهقة صغيرة فاجأتها يد ابن الجيران وهي تنثر لدجاجات أمها القمح فوق سطح الدار … اليد التي جعلت جسدها يرتعش الآن … هي ذات اليد التي شعرت طويلا بثقلها فوق رقبتها وصدرها ، وهو يتحسسها في ظلمة حجرتها ، ويبتسم حين تنكمش في أغطيتها ويقول لها كاد صدرك يجف فلا تبالغي في انكماشك … هل حقا كانت مهيأة له الآن ؟”بداية القصة كما تتابعون ذات أبعاد دلالية تتشكل لنا من أول جملة في النص ” ربما فاجأتها يده تماما حينما تلمس حلمات صدرها ” في فضاء هذه الجملة تضعنا الكاتبة أمام خيار اللا رجوع وكأنها تمسك بانتباهنا في قبضة يد من جمال وسمفونية فكيف تترك المفاجأة واللمس والحلمة والصدر وتنصرف ، صورة مشحونة بثقل اللذة والمتعة الفياضة المنبثقة من عطش الألوان الصاخبة في تواصلها الإيقاعي وكأنك أمام مشهد سحري تراكمت فيه الرغبات على اختلاف تناصه .وتواصل الكاتبة في سردها وصف مراهقية الرعشة التي تسربت إلى جسد البطلة من يد ابن الجيران وهي تنثر القمح …مشهد تصويري دقيق يتجلى في طريقة الربط بين سلوك الذكر وهو يفاجئ أنثى بمفردها فوق سطح الدار ثم تفاجئ ” هويدا ” القارئ بتصاعد الحبكة التبليغية إلى التأكيد على أن اليد الآثمة نفسها هي التي شعرت طويلا بثقلها ، ثم إن صورة الأنثى وهي على فراشها مع رجلها لم تكن أبدا سفيفة المعنى أو الذوق ، بل رمزت بذكاء إلى كل امرأة عربية في انكماشها وارتباكها وخوفها- ربما - من أمور تظن أنها لا تفهمها لكن الحقيقة مغايرة تماما فهي تدرك عوالمها النفسية المرضية- أحيانا- التي تداهمها كطلاسم غير مقروءة وغير مفهومة ” ثم هل كانت مهيأة له الآن ..؟” جملة اعتراضية تتحجج بها البطلة للخلاص من هالتها . مدخل سردي له سلطة متعددة النكهات فهو يوازي الوضوح الجلي الشديد الخصوصية ويمهّد لعقدة البنية القصصية غير التقليدية.تستمر ” هويدا ” في مداعبة عنصر التشويق فتكتب : “كانت تنحني فوق تمثالها لتضع الرتوش الأخيرة له .. تسحب بسن سكينة النحث نتوءات الصلصال ، وتصقل حول الفم صانعة غمازتين طيرتا عقلها حين رأتهما أول مرة في مدرج كلية التربية الفنية لشاب كان جالسا يرمقها بابتسامة وهي تلقي ألوانها على المربع الأبيض دون صقل … هل وحشية ألوانها هو ما لفت نظره إليها …أم نظرة الدهشة الدائمة في عيونها هي ما جعلته يقول لها في جرأة لم تتوقعها أحبك …….؟هذا ما نسميه فلاش باك أي العودة بالزّمن القصصي إلى الوراء لنعيش معادلة الخط التي تتحكم في عملية القراءة من دون القفز على الأحداثوالساردة هنا تفضح الماضي بتفاصيله السعيدة والحزينة معا ، ورغم أن شخصية الحبيب جاءت متخفية نوعا ما وغامضة إلا أن الهيكل العام للقصة لم يتأثر ولم يتوقف عن إبراز جمال الحبكة الزمنية للحكاية ، بل إن الغموض أحيانا يصنع تدفقا متوهجا في ميكانيزم السرد ، إن الكاتبة هنا تبرز رمزية ذكاء الفنان وهو يمزج الألوان المشتعلة بهاءا كي يحصل على الإيقاع النهائي لنوتات اللوحة الخالدة.إن اللغة المسيطرة على الفعل الكتابي منحوتة بإتقان في معادلة الوحدة العملية والمكانية والزمانية بل وتضع القارىء في حالة من التواصل شبيهة بتلك التي يعيشها مع الروايات وهذا ما يِؤكد خاصية “هويدا ” في تبليغ الرمز الذي يقول الممكن من الراحة النفسية، أوليست الكتابة راحة إنسانية بالغة التأثير في الآخرين ؟بالغة التأثير كما فعلت هذه القصة في بعض من يعتقد من الكتاب الرجال الذين لا يزالون يفكرون ويكتبون بعقلية ذكورية بحثة تتقزز لها الأنفس ، كيف لا والكاتبة اتهمت في شخصها وإبداعها علنا بعد نشر قصتها التي أحدثت ضجة أدبية مفبركة تدعو إلى إسقاط الكاتبات وإعلان الحرب على كلماتهن وحروفهن في القرن النووي .إن المقطع أعلام الدقيق التصوير الذي نتوقف عند جمال جملته العطشى : ” …تصقل حول الفم صانعة غمازتين طيرتا عقلها حين رأتهما أول مرة …” وطيرتا عقلي أنا أيضا …؟غمازتان …هكذا يبدأ الحب في شكله المعجزة وفي سلطة المتعة غير المنطوق بهالكن الكاتبة تختار النزول بقارئها من أعلى قمة التي اتسمت بالرعشة والرغبة والسؤال والدهشة إلى أعلى قمة أخرى في حزنها وحدادها حين تقول:” كل الأصدقاء عرفوا بحبه لها ، باركوا تلك العلاقة ، وكلهم لم يقدروا أن ينظروا في عيونها ويروا ألمها الدائم بعد موته ، تركوها لذاكرة لا تموت “.يموت الحبيب في الوقت الذي يعيش القارئ حالة من الشوق لمعرفة سر هذه الشخصية ، وتسمى هذه القفزة الفنية في النقد انقلاب الخط السردي لاعتبارات يراها الكاتب ذات فعالية لإخضاع القارئ إلى سلطة التفاصيل القادمة .تقول القاصة : ” حين كانت تعود لقريتها البعيدة كانت تبحث عنه فوق شواشي النخيل ، تبحث عن رائحته فوق الجدران الطمي ، تتلمس حوائط الدور التي مر في شوارعها يعجبون منها ولا يجرؤ أحدهم على تذكيرها بموته ، فهم جميعا كانوا شهودا على قصة عشقها له … أمه ترفض دوما أن تراها حين تذهب إلى رؤيتها ، تقول لمن ترسله لا أقدر على النظر في عينيها ورؤيته فيهما ………”مقطع يصور بحبكته السلسة مشهدا يلخص فيه أجوبة عميقة لكل ما يمكن أن يدور في ذهن القارئ من استفهامات … مات الحبيب فتحولت بعده إلى امرأة مسكونة بخياله الذي لا يفارقها أينما ذهبت .إن إلصاق شخصية الكاتب بتفاصيل النص يدفع بسلطة السرد إلى تقوية عنصر الإيهام بالواقع وهنا تعمل الكاتبة على وضع القارئ في قبضة جسد الحكاية إلى آخرها لتوهمه بقوته لكن الحقيقة أن هويدا مبارزة أدبية بامتياز فهي الجلاد والمجلود في الوقت نفسه.ثم تواصل الحكاية : ” عادت بظهرها إلى الوراء ، فاصطدمت به هو الواقف خلفها منذ دقائق .. لماذا فاجأتها يده ؟ أليس من حقه أن يدخل غرفة في منزله حرمت عليه طويلا ؟هاهي ” هويدا تعيدنا إلى حاضر البطلة وكأنها تقتلعنا من الماضي غصبا لأن المقاطع السابقة لم تكن مجهّزة إلى أكثر من ذلك أو ربما لأن حجم القصة لا يقبل إلا بهكذا فضاء.تعود بنا إلى غرفة البطلة وتمثالها حين فاجأتها يد زوجها ، فاقتربت منه تسأله ” منذ متى وأنت هنا ؟ سؤال الرعشة والرغبة وكأنها تسأل من جهة ثانية منذ متى وأنا هناك ؟و منذ متى وأنا بعيدة عنك ؟ هي الآثمة في حقه ورجولته تواصل الكاتبة سردها : ” لم تنتظر جوابه ، فقط اقتربت بوجهها منه ،وتشممت لأول مرة منذ سنوات أنفاسه . أغمضت عيونها ، وانتظرت أن يأخذ شفتيها المرتعشتين في فمه … ظل يتأملها ، وهي مغمضة العينين ومنتظرة ……… قال في صوت هادىء: كأني بشوفك لأول مرةوكأن الله أراد ذلك”يشهد هذا المقطع لحظات مهمة في القصة، حيث ينتصر الزوج على صبره الطويل ويتمكن بلمسة حنان وحب من يده أن يعيد قلبها وروحها إليه في رمشة عين ، ثم لماذا هذا التحوّل الفجائي من البطلة ؟ هل يمكن أن تكون ” هويدا” من مدرسة إقناع القارئ بواسطة اللغة فقط ؟ بل إنها تقنعه بتسلسل الأفعال أيضا ضمن البنية التسلسلية لوقائع الحكاية ، وهذا السّباق اللغوي يبين مدى تحكم القاصة في نظام الكلمة داخل السياق السردي .نواصل في المقطع التالي : ” ما الذي تغير ، لماذا اشتعلت تماما بعد لمسته ، هي ذات اللمسة التي طالما سببت لها قشعريرة في جسدها ، أنفاسه هي ذاتها التي هربت منها خمس عشرة سنة ، خمس عشرة سنة تهرب بوجهها خلف رقبته ولا تقدر على تشمم رائحته وأنفاسه ….”اللافت للنظر في قصة “وكأن الله أراد ذلك ” ، أن المستوى السردي داخل إشكالية النص يلعب دورا حداثيا في ترتيب قانون الجدلية والتفاعل بين عنصر التبليغ وبنية تعطيل المحاكاة لتحرير فعل السرد ، وهذه النمطية من الكتابة لا تخضع بالتالي إلى جزئية قانون السببية الذي يعالج فضاء النص بحرية بالغة.ما الذي تغير إذن ؟ هل هي الذات أم الروح أم المشاعر أم الانفلات من قبضة الماضي ووهم الحب الميت بقرار إلهي.تنفعل البطلة في لحظة تتداعى فيها مشاعرها الأنثوية وتتذكر وهي المتناسية رجلها الشرعي الذي يلازم حياتها بعقد مكتوب وموثق منذ خمس عشرة سنة .تكتب ” هويدا ” : ” وجهه احتل ذاكرتها منذ أن أخبرها الطبيب بموته ، طاردها في صحوها ونومها ، حين كان يثور الراقد في سريرها عليها لأنها تقضي معظم وقتها في مرسمها تصطاد ملامح رجل لم تسمح لها بالفرار يوما ، كانت تبكي له في الليل بعد أن يتمكن من جسدها ، تبكي له حتى يسمح لها أن تسكن مرسمها الذي يسكنها ، كان يعجب من ملامح وجه يتكرر في كل لوحاتها ، ولكنه لم يسأل يوما عنها ، كل لوحة ترسمها تحمل لمسة منه ….”أي قلب تحمل هذه الأنثى المتمردة على قانون حياتها وارتباطها برجل شرقي لا يعي فنها وروحها المرتعشة في مرسم كلّه ذكريات ؟ ، في مرسم يختفي فيه رجل آخر يسكن عقلها وخيالها وسمعها ونبضها وجسدها .لكن ” هويدا ” هنا وكأنها تحوّل المعادلة الرمزية إلى زوج البطلة فكيف لرجل مهما كانت قناعاته الإنسانية والمعرفية أن يتغاضى النظر عن نفور زوجته منه وقضاء معظم وقتها في نحث جسد لرجل غريب الملامح ؟ هل هي الثقة العمياء ؟ هل هي المحبة على الصبر ؟ هل هو الانتظار ؟ هل هو استغلال الوقت لإذابة جليد قلبها ؟هي المفارقة الأدبية إذن التي تميّز “هويدا” في احتمال خلق حالة نفسية مختلفة لشخصياتها ، وبالتالي فهي لا تخضع سردها لما يمكن أن يجزمه القارئ من أول جملة في الحكي الضمني داخل النص .إن الخطاب السردي في ” وكأن الله أراد ذلك ” أداة للتركيز على توصيل الأحداث كما تراها الكاتبة وليس كما هو متعارف عليها عرفيا وتقليديا ، وهنا تكمن خاصية التركيبة الخيالية لأحداث العرض القصصي ، فقد جاء ت ديناميكية البنية السردية مغايرة لمثلث البناء القصصي القديم وحتما كشف القارئ عن فنية البناء وهو يتنقل بحرية داخل خيال الكاتبة .دعوني أقفز على بعض المشاهد القصصية إلى المقطع الذي يقول : ” قالت لها صديقة يوما الموت يحرر الناس من قهر المحبة ، فلماذا يستعبدك أنت ؟ ”هل الموت يحرر من المحبة حقا ؟ رغم أنني لا أوافق هذه الفكرة في معناها الضمني إلا أن البعض منا يتخلص بها من عيوب في شكل المحبة التي قد لا تمارس سلطتها كما يجب وليس كما جاء على لسان الصديقة،إن هذه الجملة تشرح أكثر مدى عذاب البطلة بذكرى حبيبها وهي الزوجة والأم .إن القصة هي في النهاية رحلة داخل سيكولوجية التفاصيل ، تبحث في معايير النسيج للأحداث وتذيب في عالمها حمولة السرد الذي ينتقل بمنظار الحكي من حيّز إلى آخر .نتابع : ” هل حقا تحررت منه حين أكملت لأول مرّة تمثاله ، حين قبضت على ملامحه كاملة …”نعم لقد بات الآن على البطلة أن تتنفس عميقا وترى الأمور من حولها على حقيقتها وتستدرك هول الغموض الذي رمت زوجها فيه وأرغمته بطريقة ما على الصمت كارها ومتسائلا .هي البداية إذن عند نقطة الخلاص من قلق الوهم وغول التمثال ، هذا التمثال الآسر الذي اختصر روحها في صلصاله وتقاسيمه المنحوتة بيد امرأة عاشقة حد الموت ، لكن القلب يفضل العودة فورا إلى الأرض ، إلى الواقع ، إلي الزوج ، إلى الأولاد بعد رحلته الفضائية في عالم كله خيال ودرب من الوهم.نتابع : ” أمسكت بيده واتجهت إلى حجرة نومها …….”ماذا عساها ستمنحه في الفراش بعد هذا البرد المتوحش من المشاعر والجسد؟ستمنحه عسيلتها كما لم تفعل من قبل وستمارس معه كل الطرق الجنسية المؤدية إلى عمق عنفوان ذكورته وشهوته وشبقه .ونامت البطلة من دون وجه تمثال أخرس .لقد أسرني النص في حبكته القصصية الملتهبة وغمرني بحالة من الذهول أمام ثوابته السردية التي تكشف عن ثقافة الكاتبة غير المحدودة ضمن إطار التحايل على اللغة ، بل إن الكاتبة هنا تكتب وهي عارية ومتحررة من الجمل التي لا تقول المشهد بعنف .لقد استطاعت ” هويدا صالح “المرور بالقارئ إلى بوابة المتعة والسحر ومكنته بالتالي من ولوج خط الثوابت السردية المتواترة ، إنها علامة على سلطتها القاهرة التي أجبرتنا بها إغراءا وإيقاعا داخل نص أقوى من أي نقد وأعمق من أي جمال .قصة ” وكأن الله أراد ذلك ” سلطة سردية لا تشترط الحقيقة كمرجع استهلاكي ، بل تشترط ميكانيزم الدلالة الذي لا يخضع إلى إطار التبليغ .
نص القصةوكأن الله أراد ذلكهويدا صالحربما فاجأتها يده تماما حينما تلمس حلمات صدرها … ربما ارتعشت كمراهقة صغيرة فاجأتها يد ابن الجيران وهي تنثر لدجاجات أمها القمح فوق سطح الدار … اليد التي جعلت جسدها يرتعش الآن … هي ذات اليد التي شعرت طويلا بثقلها فوق رقبتها وصدرها ، وهو يتحسسها في ظلمة حجرتها ، ويبتسم حين تنكمش في أغطيتها ويقول لها كاد صدرك يجف فلا تبالغي في انكماشك … هل حقا كانت مهيأة له الآن ..؟ .. كانت تنحني فوق تمثالها لتضع الرتوش الأخيرة له .. تسحب بسن سكينة النحت نتوءات الصلصال ، وتصقل حول الفم صانعة غمازتين طيرتا عقلها حين رأتهما أول مرة في مدرج كلية التربية الفنية لشاب كان جالسا يرمقها بابتسامة وهي تلقي ألوانها علي المربع الأبيض دون صقل … هل وحشية ألوانها هو ما لفت نظره إليها …أم نظرة الدهشة الدائمة في عيونها هي ما جعلته يقول لها في جرأة لم تتوقعها أحبك ………….؟كل الأصدقاء عرفوا بحبه لها . باركوا تلك العلاقة ، وكلهم لم يقدروا أن ينظروا في عيونها ويروا ألمها الدائم بعد موته ، تركوها لذاكرة لا تموت .حين كانت تعود لقريتها البعيدة كانت تبحث عنه فوق شواشي النخيل ، تبحث عن رائحته فوق الجدران الطمي ، تتلمس حوائط الدور التي مر في شوارعها ، تسأل الناس عنه ، فيعجبون منها ولا يجرؤ أحدهم علي تذكيرها بموته ، فهم جميعا كانوا شهودا علي قصة عشقها له … أمه ترفض دوما أن تراها حين تذهب إلي رؤيتها ، تقول لمن ترسله لا أقدر علي النظر في عينيها ورؤيته فيهما ………………عادت بظهرها إلي الوراء ، فاصطدمت به هو الواقف خلفها منذ دقائق .. لماذا فاجأتها يده ؟ أليس من حقه أن يدخل غرفة في منزله حرمت عليه طويلا ؟التفتت إليه بجسدها ، اقتربت من وجهه تماما وقالت في همسـ منذ متي وأنت هنا ؟لم تنتظر جوابه ، فقط اقتربت بوجهها منه ، وتشممت لأول مرة منذ سنوات أنفاسه . أغمضت عيونها ، وانتظرت أن يأخذ شفتيها المرتعشتين في فمه … ظل يتأملها ، وهي مغمضة العينيين ومنتظرة ……….. قال في صوت هادئ :ـ كأني بشوفك لأول مرةوكأن الله أراد ذلكما الذي تغير ، لماذا اشتعلت تماما بعد لمسته ، هي ذات اللمسة التي طالما سببت لها قشعريرة في جسدها ، أنفاسه هي ذاتها التي هربت منها خمس عشرة سنة ، خمس عشرة سنة تهرب بوجهها خلف رقبته ولا تقدر علي تشمم رائحته وأنفاسه …وجهه احتل ذاكرتها منذ أن أخبرها الطبيب بموته ، طاردها في صحوها ونومها ، حين كان يثور الراقد في سريرها عليها لأنها تقضي معظم وقتها في مرسمها تصطاد ملامح رجل لم تسمح لها بالفرار يوما ، كانت تبكي له في الليل بعد أن يتمكن تماما من جسدها ، تبكي له حتى يسمح لها أن تسكن مرسمها الذي يسكنها ، كان يعجب من ملامح وجه يتكرر في كل لوحاتها ، ولكنه يوما لم يسأل يوما عنها ، كل لوحة ترسمها تحمل لمسة منه ، .في كل مرة تمسك بالفرشاة أو الصلصال ، تري وجهه في ذاكرتها الحية ، وتشكله كل مرة علي مربعات البياض ، دوما تتفنن في رسم لحظة رأته فيها ، تتفنن في رسم ابتسامة أو تعبير رأته ، حتى أطفالها الصغار ، حين ترسمهم تري وجهه .كل الأشياء تحمل رائحته . صوته تسمعه يأتيها في ليلها ، حين ينام صغارها ورجلها الذي ظلمته طويلا معها . تنصت في سكون وخشوع ، تستدعي صوته ، ضحكته ، تعليقاته ، ذكرياتها ما تزال حية وحاضرة ،قالت لها صديقة يوما الموت يحرر الناس من قهر المحبة ، فلماذا يستعبدك أنت ؟!!حاولت كثيرا أن تتحرر من ملامحه التي تسكنها … وفي كل مرة تفاجئها بطرق مختلفة .واقف مازال الساكن سريرها يتأملها وكأنه يراها لأول مرة …………….هل حقا تحررت منه حين أكملت لأول مرة تمثاله ، حين قبضت علي ملامحه كاملة ، فتحت عيونها وابتسمت ، أمسكت بقطعة القماش البيضاء التي غطت بها وجه تمثالها طوال عام كامل ، أوقف الرجل يدها في منتصف المسافة إلي التمثال ، صارت تمسك بطرفي قطعة القماش وهو يمسك بالطرفين الآخرين ، وقف يتأمل الملامح التي لا يعرفها ، يشعر أنه رآها قبلا ، ولكنه لم يستطع أن يتيقن منها ، همّ أن يسألها ، فوضعت أصابعها علي شفتيه في رقة لم يعهدها من قبل . أمسكت بيده واتجهت إلي حجرة نومها ، قررت أن تفعل له كل شيء أراده منها يوما . تشممت رائحته فلم تجدها منفرة كما شعرت دوما . شربت ريقه ، وتركت يده تدعك حلمات صدرها الذي كاد يجف . جسده لم يعد ثقيلا علي جسدها … كل شيء تغير الآن ، قررت أن تعوضه عن سنوات كثيرة عاملته بقسوة ، غابت معه في قبلة طويلة ، ونامت لأول مرة دون أن تسمع صوت رجل ظل واقفا هناك في ذاكرة لم تمت يوما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق