الجمعة، 29 مايو 2009

رحلة في عالم صبري موسي الإبداعي
ماهر حسن
روايته السيد من حقل السبانخ وهى خيال علمى كان قلقا على مستقبل البشرية من التقدم العلمى، وفى رائعته فساد الأمكنة تناول بحس اسطورى المأزق الوجودى للإنسان، وفى مجموعة القميص تناول إشكاليات جيله وفى حكايات صبرى موسي مضى بقوة الحكى اليومى عن أناس متعينين؟. هذا هو صبرى موسى الذى صدرت أعماله الكاملة قبل أيام عن هيئة الكتاب، بعد أن نفدت معظم أعماله بعد إعادة طبعها لمرات وهو كذلك صاحب التجارب المتميزة ، وقد حصل على الكثير من الجوائز منها جائزة التفوق، والتقديرية وهذه ارتحالة فى عالمه الغنى ونحن إذ ننشره نتمنى له الشفاء من وعكته الصحية الأخيرة. - وصفت جيلكم بأنه سقط سهوا، فما دلالة هذا التعبير؟ -- هناك تعبير للراحل سيد النساج يفسر هذا المعنى، وهو أنه الجيل الذى سقط بين جيلين، ولكن الوصف امتد إلى أن جيلنا كان له الفضل فى كسر الحائط الكبير الذى كان يفصل بينه وبين امكانية تحققه فى ظل حضور وعنفوان جيل العمالقة، الذين سيطروا على المشهد الروائى والقصصى بجدارة وأحقية، وكنا بالمقارنة به كعصافير بين النسور، وكان السؤال.. كيف لنا أن نتحقق فى حضور جيل على رأسه طه حسين وتوفيق الحكيم والعقاد وسعد مكاوى ويحيى حقى وأبوحديد وصغارهم يوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وأمين يوسف غراب ويوسف جوهر ومحمود البدوى ورغم هذا فإننى أزعم أننا كنا جيلا له الفضل فى إرساء جملة من التقاليد الروائية الجديدة التى تجاوزت زمنها، ولا أنكر أن الكثير من أسماء جيلنا قد سقط فى الطريق، لكن بقيت هناك علامات قصصية وروائية دالة علينا وقد هلت علينا الستينيات ونحن متأكدون فى المشهد وفى ذروة التحقق ومجددون فى اسلوب القص تاركين أثرا غائرا لا يمحى. - وهل وبناء على ما مضى يمكننا اعتبار مجموعة القميص وبالأخص قصة الجدار إحالة لطبيعة معاناة جيلكم فى تحققه؟ -- نعم، غير أننى أشرت لفكرة الأجيال فى مصر فى زمننا آنذاك، أما فيما يختص بجيلى وتحديدا فاعتبر نفسى عينة دالة وشريحة منه، فحين بدأنا الكتابة، لم تكن هناك فرصة عمل حقيقية، وكنا نعانى من البطالة وضبابية المستقبل، ولذلك فقد عانينا مثلما فى قصة الجدار كما أشرت، ولقد بدأنا رحلة المعاناة بعدم الاعتراف بنا أدبيا، وإذا تم الاعتراف لم يتم التقدير المادى، فحين نشرنا أول قصصنا أذكر أنهم قالوا لنالا ندفع لمبتدئين وكان أن ناصرنا عبدالحميد يونس حينما كان مسئولا عن الأدب فى الأخبار ومن بعده لويس عوض الذى كان مسئولا عن الأدب فى الجمهورية وبدأوا يمنحوننا مكافآت رمزية، إذن فكانت هناك رؤية شاب ريفى للمدينة، ويجعل دهشته إزاءها موضوعا لقصصه، دون ارتباط بشرط قصصى اسلوبى وفنى، وهنا ظهرت المقالات النقدية التى تصف هذه القصص باعتبارها خواطر، لكن مع التقادم الزمنى، وكثرة الكلام عن الحداثة، أصبحت هذه الكتابات قصصا بالفعل تحمل فى طياتها البذور الأولى للتجديد، وتجاوز الحواجز التقليدية للسرد القصصي - أقف فى أعمالك على اعتنائك الشديد بالمشهد هل يرجع هذا لأنك بالأساس تشكيلى وعملت مدرسا للرسم ثم مخرجا صحفيا. لقد وقفنا على هذه المشهدية فى القصة والرواية والسينما بل وفى التحقيق الصحفى الميدانى. -- هذا اسلوب وطريقة، وكل روائى صاحب طريقة واسلوب، والصورة واحدة من إبداعات الإنسان، ويمكن الصورة عندى أكثر حضورا لأنها تشكل جزءا من تركيبتى الذهنية والنفسية، حيث كنت منذ بواكر عمرى أتمنى أن أكون رساما، حتى أن الموقف عندى يتحول إلى صورة لها إطارها وعناصرها الداخلية والتفسيرية، ولقد أصبح التلقى يعتمد الصورة وسيطا فنيا فى التعبير. - جائزة التفوق كنت أول الحاصلين عليها فى أولى دوراتها ثم أعقبتها التقديرية عام 2002، فلنتحدث عن ترشيحك ودلالة حصولك عليها؟ -- بالفعل كنت أول الحاصلين على جائزة التفوق وهذا تقدير أشرف وأسعد به، فلما جاءت التقديرية، رشحنى اتحاد الكتاب ضمن اثنى عشر مرشحا وتم التصويت السرى على هذا، إلى أن وقع الاختيار على، وبعد التصويت على التقديرية حصلت على 35 صوتا فيما حصل سليمان فياض على 32 صوتا ثم عبدالعزيز حمودة 30 صوتا هذا رغم مجئ اسمى فى المقام الثالث فى الأخبار الصحفية، وهذه تفعيلة لم يلتفت إليها أحد، وأقول وبالطبع ونحن فى مرحلتنا العمرية هذه إن أى تقدير يسعد الكاتب، ويشعره أن جهده لم يكن حرثا فى الماء، غير أن التقدير الأهم والذى يثير حماس المبدع هو تقدير القراء الذين نكتب بهم ولهم، وبالأخص حينما تنفد نسخ عمل لك، أو يعاد طبعه لمرات - وماذا عن روايتك التى تكتب فيها منذ ما يزيد على الست سنوات وهى فنجان قهوة قبل النوم وكأنها تبدو عصية على الكتابة.. ما سبب تأخر انجازها كل هذا الوقت.. نريد أن نقف على أحد ملامحها؟ والذاتى والملحمى؟ -- فيما يتعلق بهذه الرواية، فإننى لم أصرح لأحد بأننى أكتبها، إلا لعدد قليل من المقربين، الذين دائما ما يسألوننى عنها، وربما تأخرى فى انجازها يعود لكونها رواية مركبة بعض الشيء، حيث هى مزيح من روح السيرة الذاتية وسيرة جيل عبر تأمل للحياة وعلاقاتى الإنسانية فيها، وما انجزته منها يصلح لأن يكون ثلاث روايات، فهى أيضا تتضمن تأملى لتحولات نصف قرن وتجاربى مع الآخرين فيه، وما حدث لمصر، وأنا بطبيعتى لا أميل لانجاز الأعمال الملحمية الحجم، بل إننى فضلت أن أترك لتداعياتى العنان فوجدتنى مؤخرا بإزاء استخلاص عملين روائيين من هذه الكتابات الكثيرة، وأنا بطبيعتى غير متعجل، وأميل للكسل والتأمل والحركة البطيئة - هل روايتك السيد من حقل السبانخ التى نشرت فى 1982 وتوقعت فيها ظهور المحمول، وحدوث تجارب فى الهندسة الوراثية وغير ذلك فهل جاءت الرواية نتاجا لزياراتك المتكررة لأمريكا.. أم من أين جاءت هذه النزعة الاستشراقية؟ -- المدهش أن توقعاتى فى الرواية، كانت تغطى قرنا من الزمان فإذا بها تتحقق عبر عقدين فقط من الزمان، وبالفعل كانت هذه الرواية نتاجا لزياراتى المتكررة لأمريكا ومشاهداتى هناك، فقد كنا نسمع عن أمريكا فى الخمسينيات باعتبارها الدنيا الجديدة بما تحويه من اتساع القارة الواحدة، مع هذا التنوع البشرى العظيم، نتيجة للهجرات، وبما نعرفه عنها من استيعاب واستقطاب للعقول المبدعة فى كل المجالات الإنسانية وصولا لعلم الذرة حيث كان المنعطف فبدلا من اقتصار هذا العلم على خدمة البشرية فإذا به يوظف ضدها للتكريس للهيمنة والتفوق الأمريكى مما جعل أمريكا على شفا هوة الانحطاط الأخلاقى. - وفق هذه الرؤية وهذا الطرح، ألا تلاحظ رغم مصرية وعربية الرؤية والكاتب أن الهم المطروح هو هم كوزموبوليتاني إنسانى فى العموم، كما أن هذا العمل لم تسبقه بروفة تسجيلية محضة. -- نعم أنا لم أسجل مشاهداتى عن الواقع الأمريكى تباعا فى حلقات، فلقد كان زخم هذه المشاهدات لا يسمح بمسافة زمنية فاصلة أو تمهيدية، وإنما توفر لها الإلحاح الروائى من البداية، فالتأمل كان يفرز تجلياته المباشرة، واتفق معك أن الهم الذى طرحته الرواية كان هما إنسانيا عاما فالخطر يتهدد البشرية كلها بما فيها نحن لكن من المدهش أن هذه القارة الرهيبة أمريكا لا تستخدم إلى الآن من امكاناتها الطبيعية أكثر من 10% وربما أقل، والباقى مخزون فيما أنها لا تكف عن الالتفات لثروات وطاقات الآخرين، وهذا ينافى الطرح الأخلاقى الذى تأسس عليه المجتمع الأمريكى.- إذا قلنا إن السيد من حقل السبانخ تتناول المأزق الإنسانى فى مهب عصر مادى، فهل يمكن القول إن فساد الأمكنة تتناول عبر ما يمكن تسميته بالطرح الاسطورى؟ وهل مأزق بطل هذا العمل أنه كان متنازعا بين ما هو مادى وما هو إنسانى معنوى أو ميتافيزيقي ** مأساة هذا البطل أنه لم يكن ماديا بالكامل وليس شاعريا بالكامل، وهذا التنازع والانقسام أدى به إلى المحنة الكارثية التى ألمت به، فلم يستطع التخلص من آدميته كما أنه لم يستطع التخلص من استغلاليته للمكان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق